أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 5 مارس 2009

عزاؤنا لكم


محمد الحسيني: أخذ التمدّد الإيراني الفارسي حيّزاً مهماً لدى بعض أوساط الشيعة اللبنانيين، ودائماً عبر سفير إيران وممثلها الدائم في لبنان "حزب الله"، وذلك عقب الثورة التي قادها الخميني ضدّ حكم الشاه في إيران، حيث وجدت هذه الثورة في لبنان تربة خصبة لزرع بذور تقاليدها ومعتقداتها داخل شيعته، حتى أخذت هذه البذور تنمو شيئاً فشيئاً إلى أن فرّخت وحلّت مكان تقاليد وعادات هذه الطائفة.

ومن أبرز ما صدّرته تلك الثورة من طريق الحزب، ما ولد من رحمها كبعض المصطلحات الفارسية مثل "الشادور" النسائي وضرورة الامتثال لفتاوى الولي الفقيه، الإيراني دائماً، وأيضاً ما عُرف بالتكليف الشرعي والحُرم إضافة إلى المغالاة في محبّة أهل بيت النبي محمد (صلعم)، حتى كاد البعض منهم ينسى انهم بشر.

ومن الأحكام التي تأثرت بها شيعة "حزب الله"، الرحلات الأسبوعية التي ينظمها الحزب لمنطقتي "قم" و"مشهد" الإيرانيتين بهدف زيارة أضرحة زعم الفرس أنها تعود لأهل بيت النبي (صلعم)، وكذلك عقب الانتهاء من الحج إلى بيت الله الحرام في مكة، وإلاّ فالحجّة تُعتبر ناقصة وغير مكتملة، ودائماً بتشريع من الولي الفقيه الخامنئي. فيما غيب الحزب عمداً، زيارة العتبات المقدسة في النجف، التي هي عنوان التشيع العربي الاصيل.

أيضاً وأيضاً من الأمور التي أدخلها المدّ الفارسي طريقة التعبير عن حرمة الميت التي باتت لها تقاليد خاصة تتبع من قبل شيعة "حزب الله"، سواء عبر طريقة الدفن أو في كيفية الصلاة عليه.

كما ان الأسبوع أو "العزاء" عند الحزب لم يعد لتقديم الواجب للعائلات المفجوعة، بل أضحى منبراً لإطلاق المواقف السياسية وأحياناً الدينية وإلا درساً من دروس الفقه الإيراني الفارسي. فهذا الشيخ الذي يخاطب الجمع في العزاء بالكاد يعرفه أهل بيت المتوفى الذين بالأصل لم يوجهوا اليه دعوة بل فُرِضَ عليهم من جماعة الحزب في منطقتهم، ليقوم بدوره بفرض حديثه على الحاضرين.

وكالعادة، يبدأ هذا الشيخ بقراءة ما يسمّى عند الحزب بـ"مجلس العزاء" بلغة عربية مصحوبة بلحن كربلائي وأحياناً فارسي، ليؤثّر بصوته وبطريقة أدائه على الحاضرين، فتكاد تظنّ أنه سيغمى عليه لكثرة بكائه، لكنك ما إن تنظر إليه تلاحظ أن الدموع ليس لها أدنى أثر.

وما إن ينتهي من القراءة حتى يدعوك للصلاة على النبي ليدخل بعد ذلك في الشقّ الديني، ثم ينتقل إلى مرحلة يبدأها بشتم بعض الصحابة محرفاً التاريخ الإسلامي بما تهوى أنفُس الفرس، حتى يظن الغريب الآتي بقصد تقديم واجب العزاء ان المعركة مع إسرائيل قد تحوّلت لتصبح معركة مع صحابة رسول الله محمد.

يبقى الشيخ على هذه الحال حتى ينهي كلمته من دون الاتيان على ذكر الميت لا من قريب ولا من بعيد. وما إن يهمّ بالرحيل، حتى يحلّ مكانه الرجل السياسي للحزب، معرّفاً عن نفسه بممثل الأمين العام لـ"حزب الله"، فهذا السياسي قد كُلِّف إطلاق المواقف السياسية، مرّة باتجاه إسرائيل وأخرى باتجاه الحكومة، فهو يريد محاربة إسرائيل وتحرير مزارع شبعا وإسقاط الحكومة من فوق رأس الميت.

ثم إن هذا السياسي لا يتوانى عن التذكير بالاستحقاقات البلدية أو النيابيّة وبضرورة الاقتراع لخط ونهج المقاومة وأهل بيت النبي، وكأنّ وئام وهّاب وميشال عون من السلالة النبوية الشريفة، ثم ينهي الرجل حديثه بالفاتحة عن روح الفقيد والمنّ على أهله بتحيّة خاصة من الأمين العام لـ"حزب الله"، فيكاد يشعر أهل الفقيد بأن لا حول لهم ولا قوة، وبأنّ جماعة الحزب قد فعلوا كل ما يجب فعله، ليتقدّموا بعد ذلك من السياسي منكسري الخواطر مطأطئي الرؤوس شاكرين له حضوره ثم مبادرين بتعزيته بالقول: عزاؤنا لكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق