هادي كركي: الكلام عن تسلح الأحزاب والتيارات وعدد من الجمعيات التي تعمل في الخفاء أو العلن وأهدافها الحقيقية سياسية أو عسكرية يطول. وإلقاء شيء من الضوء على الجمعيات الكشفية خصوصاً، يجعلنا نطرح السؤال الآتي: لماذا طردت جمعية "كشافة المهدي" والرسالة من الاتحاد الكشفي العالمي؟.
الجواب ببساطة أن هاتين الجمعيتين الكشفيتين تابعتان لـ"حزب الله" و"حركة أمل"، وتدربان المنتسبين إليهما على السلاح في مخيمات كشفية يتم فيها تجنيد الأولاد.
من المتفق عليه ان هدف الحركة الكشفية هو السلام بين شعوب العالم، ويعود تأسيس تلك الحركة الى اللورد روبرت بادن باول. وكان انطلاق الحركة الكشفية في لبنان مع الكشاف العثماني عام 1912 والذي أصبح في ما بعد "الكشاف المسلم"، لتنشأ بعده جمعيات "الكشاف اللبناني"، و"كشافة لبنان"، وكان ايضاً لليهود في لبنان "جمعية الكشاف الإسرائيلي" التي حلت بعد معلومات عن تدرّب عناصرها على السلاح في غابة الشبانية في قضاء عاليه، ثم تم تأسيس "اتحاد كشاف لبنان" للمرة الاولى العام 1947، ومرة أخرى في العام 1963.
أما اليوم فكشافة "المهدي" و"الرسالة" وخصوصاً الأول منهما، يحاول تغيير الهدف كي يكون الهدف الحرب بدل السلام، وظهر أن "حزب الله" مدد حربه مع اسرائيل في كل الفروع وصولاً الى الجمعيات الكشفية.
وفي مؤتمر عالمي للكشفية عقد في تونس عام 2005، قدمت جمعية "الكشاف الإسرائيلي"، صوراً عن جمعية "كشاف المهدي" تعرض اولاداً كشافة يحملون السلاح ويلبسون البدلات العسكرية، فظهر أن "كشاف المهدي" في لبنان يستثمر الأولاد والأطفال كي يصبحوا جنوداً عنده لا هم لهم في الحياة ولا السلام وتتم تربيتهم على ثقافة الموت.
ويؤكد المفوض العام في جمعية "كشافة المهدي" أن "كلّ الكشفيين يتدرّبون لأنهم يريدون ان يدافعوا عن وطنهم..، ولا أرى في التدريب أمراً خاطئاً"، لافتاً الى ان "افراد "كشافة المهدي" يتمسكون بأرضهم ويدافعون عنها، والدفاع عن الأرض والنفس حق مشروع" (من صحيفة "النهار" ـ ملحق "نهار الشباب" ـ الخميس 11 تشرين الأول 2007).
ويبدو واضحاً ان "حزب الله"" نظام متكامل من المدرسة الابتدائية لغاية الجامعة، وهدفه ثقافة قاتلة حاقدة لا تفهم الا لغة القتل والموت. ومن الصعب معرفة حجم تأثير "حزب الله" على الشباب اللبناني نظراً الى سـرّيته الصارمة وغياب الإحصاءات الموثوقة في لبنان، لكن من الواضح ان المدارس التي بنيت بـ"مال العفة والطهارة" تزايدت كي تصل الى شبكة دينية عقائدية.
وعلى ضفة الليطاني، يبني مقاتلو "حزب الله" المبتدئين مخيمهم الكشفي، وهو قريب من الحدود مع اسرائيل. وبدلاً من رفع لافتات لصور مؤسس الحركة، فإن صور الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله وقائد الثورة الإيرانية الموسوي الخميني ترتفعان على ساريتين في النهر. وإحدى الألعاب التي يتبارى فيها المتدربون لعبة "الأميركيون والمقاومة"، وفيها ينقسمون الى قسمين، منهم من يمثل الأميركيين وآخرون المقاومة، وبدلاً من مقاتلة بعضهم بالأسلحة يرمي المتدرب عدوه في مياه النهر ليكون بذلك قد انتصر.
ويزور هذا المخيم الكشفي مقاتلون من "حزب الله" بلباسهم العسكري المرقط حاملين بنادقهم ليكونوا قدوة للمتدربين، فما هو موضوع حديث هؤلاء المقاتلين؟، طبعاً هو عن مغامراتهم وحروبهم مع الإسرائيليين، ما يؤثر على أدمغة المتدربين فيتخيلون أنفسهم مع اولئك المقاتلين في الجبهات والحروب، وبدلاً من ان يطمح أحدهم ليكون طبيباً او رياضياً او محامياً او اعلامياً او فناناً..، يطمح إلى ان يكون مقاتلاً على الجبهات الخمينية. وداخل هذا المخيم قبر مغطى بالزخارف والحروف، وعلى شاهده صورة صغيرة لقائدهم الكبير عماد مغنية.
ورجوعاً الى تأسيس جمعية "كشافة المهدي"، ففي العام 1985 وبعد تأسيس "حزب الله" نشأ "كشافة المهدي" بتشكيلات كشفية لكن بروح عسكرية، فخصها الحزب بحماية متشددة لأنها مصدر مقاتليه، إذ يذهب معظم الأولاد بعد سن السادسة عشرة الى التدريب القاسي ويتعلمون استخدام السلاح. وفي الفصول المخصصة لمرحلة الكشافة في هذه الجمعية والتي تكون من عمر 12 الى 14 سنة، هناك "الحب والكراهية"، "اعرف عدوك"، و"الولاء للقائد" و"حقائق اليهود"، وهي تختلف تماماً عن الفصول الكشفية المقرّرة عالمياً وفي لبنان.
أما في سهل البقاع الموقع الثاني للكشافة، فيقف الكشافون في ملعب واسع بزيهم مستعدين ومتأهبين على وقع الموسيقى العسكرية، يرفعون عالياً اللواء الأصفر المميز لـ"حزب الله"، وبرغم كونهم جميعاً من المراهقين الا ان وجوههم تحمل عناوين صارمة بما يشبه الرجال البالغين، وكأنهم جاهزين لمواجهة العدو، ما يوضح ان الحزب يدرب جيل الشباب للاستمرار في الكفاح المسلح ضد اسرائيل من خلال التعبئة الجاهزة والحاضرة في ايّ وقت للهجوم.
وأشارت الإحصاءات العامة ـ 2005، الى ان العديد العام للجمعية بلغ 45741 فرداً يتوزعون في معظم الأراضي اللبنانية، عدد الذكور منهم 24452، اما الإناث فعددهن 21289، كما بلغ عدد القادة والقائدات 3985، بحسب نشرة اعدتها الجمعية نفسها.
وفي الجزء الثاني من ردّ "كشافة المهدي" على تقرير مركز الاستخبارات الإسرائيلية لشؤون الإرهاب الصادر في 11 ايلول 2006، ان كل الأطفال المنضمين الى جمعية "كشافة المهدي" هم من أبناء الشهداء الذين قتلت اسرائيل آباءهم، ما يؤكد ان الجمعية تنمي حسّ الحقد والأخذ بالثأر من الإسرائيليين.
أما رزنامة نشاطات الجمعية فتكون في مناسبات مثل سقوط مدينة القدس، الحرب العالمية، تسونامي، احداث 11 ايلول، انتفاضة الأقصى، عيد المقاومة والتحرير..، كما أن هناك اعياداً ومناسبات عن مجازر اسرائيلية، اذ توضح نشرة الجمعية انه "بالنسبة لذكر المناسبات في التقرير الإسرائيلي المتعلقة بإجرام الكيان الإسرائيلي من مجازر واحتلال وتدنيس للمقدسات..، فإننا سنبقى نرددها لأطفالنا وسيعرفون على مرّ الأيام من ارتكب المجازر في حق اهلهم".
كما اكدت النشرة ان "المهدي" سوف تربي "ثقافة المقاومة في نفوس الأطفال لكي يكونوا احراراً كشهداء المقاومة والسيد عباس الموسوي"، ما يوضح الهدف الحقيقي من الجمعية الكشفية.
ولكن تبقى الشعارات الكشفية "كن مستعداً" و"خدوم" و"أبذل جهدي" شعارات للسلام وليست للاستعداد الى الحرب، ولكنها لمواجهة الحياة ومصاعبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق