لقد حقّقت قمّة الرياض برغم كل الكلام الذي صدر من هنا وهناك بأنّ الاتفاق لم يكن كاملاً، إنجازاً تاريخياً لجهة إحيائها التضامن العربي مجدّداً بعد سنوات سادها النزاع والخلاف بين أبرز الدول العربية، حيث سمحت هذه الخلافات لأكثر من طرف اقليمي ودولي بتعزيز نفوذهم في المنطقة على حساب المصالح العربية الاستراتيجية.
وبغض النظر عن كيفيّة ترجمة ما تمّ الاتفاق بشأنه في قمّة الرياض على أرض الواقع، فإنّ هناك طرفين رئيسيين متضرّرين من هذا التفاهم العربي ــ العربي هما إسرائيل وإيران حتى ولو كان لكل منهما خلفيات متناقضة وأهداف غير متطابقة.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل إنّ إسرائيل وإيران ما زالتا قادرتين على الدخول على خط التفاهم العربي وعرقلته؟، أم أنهما عاجزتان عن التأثير في مسيرة التضامن العربي التي وضعت قمّة الرياض أسسها الأولى؟، وإلى أيّ مدى تمكّن القادة العرب الأربعة من تحصين التفاهم بينهم في وجه أي تدخّل خارجي؟.
مصادر سياسية عربية تتابع عن كثب ملف الخلافات العربية، أكدت أنّ هذه الاسئلة مشروعة، إلاّ أنّ الجواب عليها مرتبط بكيفيّة مواجهة العالم العربي في الاشهر المقبلة، عندما يوضع هذا التفاهم أمام مجموعة من الاستحقاقات بدءاً من المبادرة العربية للسلام وصولاً إلى الملفّين اللبناني والفلسطيني، باعتبار ان إسرائيل وإيران طرفان فاعلان في هذه الملفات.
وأوضحت المصادر ان لإيران وإسرائيل أجندات مختلفة، إلاّ أنّ هذه الأجندات تتقاطع عند نقطة أساسية وهي الإبقاء على الخلافات العربية قائمة باعتبار انّ هذه الخلافات سمحت لإيران بتفعيل نفوذها في المنطقة، ولإسرائيل بالتملّص من عملية السلام.
وفي هذا السياق، أشارت هذه المصادر إلى أنه لو كان هناك موقف عربي موحّد وحاسم لما تجرّأت إسرائيل على شنّ عدوانها على قطاع غزة، ولما كانت إيران تجرؤ على التدخّل في الملف الفلسطيني إلى هذا المستوى.
وأضافت المصادر أنّ إسرائيل حاضرة دائماً للعرقلة لأن مصالحها ووجودها قائمان على استمرار الصراع مع العالم العربي، وتعتبر أنّ أيّ سلام مع العرب قد يؤدي إلى اندثارها ولو بعد زمن. أما إيران التي تشتبك مع الغرب في أكثر من ملف، فلن تقف متفرّجة وهي ترى الأوراق التي امتلكتها على خلفيّة الخلافات العربيّة تسقط من يدها، قبل حلّ خلافاتها مع أميركا.
وتدعو هذه المصادر النشطة في إطار المؤتمر القومي، إلى انتظار ما ستقدّمه واشنطن في اطار عملية الصراع العربي ــ الاسرائيلي، حيث تؤكد هذه المصادر أنه لو تمكنت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من ضبط الحكومة الإسرائيلية الجديدة وألزمتها القبول بإنجاز تسوية عادلة وشاملة يرتضيها العالم العربي من خلال مبادرة السلام العربية، فإنها تكون قطعت الطريق وسدّت سبل التدخّلات الخارجية في المنطقة وخصوصاً التدخّلات الإيرانية.
وتشير هذه المصادر إلى أنّ إيران التي استفادت خلال سنوات الخلافات العربية لجهة تعزيز نفوذها في أكثر من ساحة عربيّة، قادرة، حسب هذه المصادر، على العرقلة، إلاّ أنها لن تتمكن من ذلك لو تمّت تسوية عادلة، وبالتالي يصبح أيّ تدخل إيراني مكشوفاً وعاجزاً عن التأثير في مسار عملية السلام.
وأوضحت هذه المصادر انه ليس أمام العالم العربي إلاّ التضامن، حيث يشكّل الملف الفلسطيني امتحاناً صعباً لهذا الخيار، فإذا استطاع العرب إقفال ملف الخلافات الفلسطينية ــ الفسلطينية وتمكنوا من إقناع الأطراف المتنازعة بالاتفاق تمهيداً لإنتاج سلطة جديدة موحّدة، يكون العرب قد اجتازوا امتحاناً صعباً وخطوا خطوة ثابتة في سبيل تحصين ساحتهم في وجه التدخّلات الخارجية، وأسقطوا من يد الآخرين كل الذرائع التي يستخدمونها لتبرير تدخّلاتهم سواء في ذلك إيران وغيرها، ولاستطاعوا إلزام الولايات المتحدة والغرب عموماً بالتحرّك جدّياً من أجل تسوية ملف الصراع العربي ــ الاسرائيلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق